تعليم التفكير Teaching Thinking

إن تعليم التفكير أمرًا في غاية الأهمية، فهو أكثر أهداف المدارس الحديثة إلحاحًا؛ وذلك نظرًا للتفجر المعرفي الهائل الذي يشهده هذا القرن ولازدياد المشكلات التي تحتاج لحلول لذلك فقد أصبحت التربية الحديثة تهتم بتدريب الطلبة على ممارسة مهارات حل المشكلات ليصبحوا قادرين على التكيف مع متطلبات حياتهم الواقعية وعلى التفكير الإبداعي البنّاء.

قد يتبادر لأذهانكم الآن الأسئلة الآتية:

  • ما المقصود بتعليم التفكير؟
  • كيف نستطيع تعليم طلبتنا التفكير؟
  • ما أهمية تعليم طلبتنا التفكير؟
  • ما المعيقات التي تحول دون تعليم طلبتنا التفكير؟

جميع هذه الأسئلة وأكثر يجيب عنها هذا المقال، هيا بنا.

مفهوم تعليم التفكير

عرّف الحارثي مفهوم تعليم التفكير على أنه عملية تزويد الطلبة بالفرص الملائمة لممارسة التفكير في مستوياته البسيطة والمعقدة وتحفيزهم وإثارتهم على التفكير.

وعرّفه جروان على أنه عملية كلية نقوم عن طريقها بمعالجة عقلية للمدخلات الحسية والمعلومات المسترجعة لتكوين الأفكار أو استدلالها أو الحكم عليها.

إن تعليم التفكير عملية غير مفهومة تمامًا وتتضمن الإدراك والخبرة السابقة والمعالجة الواعية والحدس وعن طريقها تكتسب الخبرة معنى.

متطلبات تعليم التفكير

لتعليم طلبتكم التفكير تحتاجون إلى الآتي:

  • بيئة تعليمية جاذبة لهم.
  • مناهج دراسية تعتمد على الأنشطة المحفزة للتفكير وملائمة لتدريس مهاراته.
  • تقنيات حديثة وغيرها من الوسائل المعينة المتطورة التي تساعد على تنفيذ الأنشطة المصاحبة.
  • نظام تقويم قادر على قياس التغير في السلوك وفي طرائق التفكير.
  • استراتيجيات تدريس تلائم متطلبات تعليم التفكير.

مبررات الاهتمام بتعليم التفكير

ثمة أسباب عديدة تحتم على مدارسنا وجامعاتنا الاهتمام المستمر بتوفير الفرص الملائمة لتطوير قدرات التفكير ومهاراته وتحسينها لدى الطلبة بصورة منتظمة وهادفة، يمكن تلخيص هذه المبررات على النحو الآتي:

التفكير الحاذق لا ينمو تلقائيًا

نقصد هنا بالتفكير الحاذق التفكير الفعال، وهذا النوع من التفكير لا يأتي بالصدفة وهو ليس نتاجًا عرضيًا للخبرة ولا نتاجًا أوتوماتيكيًا لدراسة موضوع دراسي بعينه بل هو تفكير هادف ومرن، ولتوضيح الفكرة لكم عليكم التفريق بين نوعين من التفكير:

  • التفكير اليومي المعتاد الذي يكتسبه الإنسان بصورة طبيعية.
  • التفكير الحاذق الذي يتطلب تعليمًا منظمًا هادفًا ومرنًا مستمرًا حتى يمكن أن يبلغ أقصى مدى له.

دور التفكير في النجاح الدراسي والحياتي

يلعب التفكير دورًا حيويًا في نجاح الأفراد وتقدمهم داخل المدرسة وخارجها؛ لأن أداءهم في المهمات الأكاديمية التعليمية والاختبارات المدرسية والمواقف الحياتية أثناء الدراسة وبعد إنهائها (كالعلاقات مع الآخرين ومتطلبات العمل) هو نتاج تفكيرهم، وهنا تجدر الإشارة إلى ثلاثة أسباب رئيسة تحدث عنها باير (Beyer) لتعليم التفكير وهي:

  • التعليم الواضح المباشر لعمليات التفكير ومهاراته المتنوعة يساعد على رفع مستوى الكفاية التفكيرية للطلبة.
  • التعليم الواضح المباشر لعمليات التفكير ومهاراته اللازمة لفهم موضوع دراسي يمكن أن يحسن مستوى تحصيل الطلبة في هذا الموضوع.
  • تعليم عمليات ومهارات التفكير يعطي الطلبة إحساسًا بالسيطرة الواعية على تفكيرهم وعندما يقترن مع تحسين مستوى التحصيل الناجم بفعل هذا التفكير ينمو لديهم شعور بالثقة بالنفس يرافقه إنجازات في التحصيل المدرسي وغير المدرسي.

التفكير قوة متجددة لبقاء الفرد والمجتمع معًا في عالم اليوم والغد

يشهد العالم تغيرات هائلة والفرد مهما بلغت طاقته لا يستطيع في عصر تفجر المعرفة أن يسيطر على أكثر من جزء بسيط جدًا من هذا الكم الهائل من المعلومات التي تتدفق عبر وسائل الاتصال المختلفة وأمام هذا الواقع تبرز أهمية تعلم مهارات التفكير وعملياته التي تبقى صالحة متجددة.

تعليم التفكير يفيد المعلمين والمدارس والمجتمع معًا على حدٍ سواء

إن تعليم التفكير والتعليم من أجل التفكير يرفعان من درجة الإثارة والجذب للخبرات الصفية وبالتالي يجعلان دور الطلبة إيجابيًا وفاعلًا، والنتيجة هي تحسن مستوى تحصيل الطلبة وتحقق النتاجات التعليمية ومحصلة هذا كله تعود بالنفع على المعلمين والمدرسة والمجتمع.

اتجاهات تعليم التفكير

لتعليم التفكير ثلاثة اتجاهات رئيسة مقسمة على النحو الآتي:

الاتجاه الأول: التعليم المباشر للتفكير

أصحاب هذا الاتجاه يطالبون بتعليم مهارات التفكير بشكل مستقل عن المواد الدراسية التي يدرسها الطلبة، وعادة ما يتم وفق هذا المنظور تعليم مهارة التفكير الواحدة من خلال محتوى معرفي حر (غير مستمد من مادة دراسية بعينها).

في هذا الاتجاه يتم تعليم مهارات التفكير بشكل طبيعي تتابعي بمعنى مهارة تلو الأخرى، ويخصص لكل درس أو عدد من الدروس مهارة بعينها تكون محل التعليم ويطلق عادة على هذا المنظور في تعليم التفكير “منظور التعلم المباشر للتفكير” ومن أهم رواده ديبونو (DeBono).

السؤال لكم الآن، هل تتفقون مع هذا الاتجاه في تعليم التفكير؟

تابعوا القراءة لمعرفة الاتجاهين الآخرين.

الاتجاه الثاني: التعليم من أجل التفكير

أصحاب هذا الاتجاه ينادون بتعليم عمليات التفكير ضمنيًا أثناء تدريس المواد الدراسية وذلك من خلال القيام بممارسات تدريسية معينة باستخدام أساليب وطرائق واستراتيجيات تدريسية وتقويمية معينة تنمي هذه العمليات لدى الطلبة، فإذا استخدم المعلمون مثلًا طريقة طرح الأسئلة المفتوحة فمن المتوقع أن ينمي هذا الأسلوب عددًا من عمليات التفكير مثل مهارات حل المشكلات والتفكير الناقد والتفكير الابتكاري وغيرها وطبقًا لهذا المنظور فإنه يمكن تعليم أو تنمية عدد من عمليات التفكير معًا في الدرس الواحد ويسمى هذا المنظور “منظور التعليم من أجل التفكير” ومن أهم رواده لورين رسنك (Lorin Rsnek).

ما رأيكم بهذا الاتجاه؟ هل يناسب طريقتكم في التدريس؟

لننطلق معًا إلى الاتجاه الثالث.

الاتجاه الثالث: الدمج في تعليم التفكير

أصحاب هذا الاتجاه يرون أن تعليم التفكير يتم من خلال تعليم مهارة واحدة من مهارات التفكير للطلبة بشكل مباشر وصريح في إطار المحتوى ودروس المواد الدراسية التي يدرسونها في منهجهم الدراسي النظامي العادي وهذا يتطلب من المعلمين توظيف محتوى دروسهم اليومية لتدريس مهارة التفكير المستهدفة بشكل مباشر ومقصود للطلبة، مثلًا إذا كان محتوى الدرس في العلوم عن أنواع الأغذية يقوم المعلمون هنا بتوظيف هذا المحتوى ليتم في إطاره تعليم مهارة التصنيف للطلبة وهي مهارة من مهارات التفكير، وبذلك (يُدمج) تعليم المهارة مع تعليم المحتوى معًا فيقوم الطلبة بتعلم مهارة التصنيف والمحتوى الدراسي معًا.

يطلق على هذا المنظور “منظور الدمج في تعليم التفكير”  ومن أهم رواده روبرت إنيس (Robert Ennis).

بعد أن تعرفتم على الاتجاهات الثلاثة في تعليم التفكير تأملوا الأسئلة الآتية:

  • ما هو اتجاهكم في تعليم طلبتكم التفكير في مدارسكم؟
  • هل ستستمرون بنفس الاتجاه أم ستغيرونه؟
  • هل يمكن الدمج بين هذه الاتجاهات؟

معوقات تعليم التفكير

أثناء تعليم طلبتكم التفكير قد تظهر أمامكم بعض العوامل التي تعيق عملية تعليم التفكير للطلبة، وينبغي عليكم العمل على تفادي هذه المعوقات وهي:

  • الافتراض القائل إن إعطاء كم هائل من المعلومات ضروري لتنمية مهارات التفكير لدى الطلبة.
  • بناء الاختبارات والواجبات المنزلية التي تشغل الذاكرة ولا تنمي مستويات التفكير العليا.
  • تركيز المدرسة والمجتمع على عملية نقل المعلومات بدلًا من توليدها واستخدامها.
  • اعتماد النظام التربوي على امتحانات مدرسية قوامها أسئلة تتطلب مهارات معرفية متدنية، وبالتالي إهمال مهارات التفكير العليا والمتقدمة.

في ختام هذا المقال، تذكروا دائمًا أن التفكير هو الضوء الساطع الذي سيضيء لطلبتكم مسارب النجاح فكلما كان طلبتكم أقدر على التفكير كان نجاحهم أعظم وزادت فرصهم في التكيف مع ما يحيطهم من ظروف، وأصبحوا أكثر قدرة على التعامل مع الصعوبات، وامتلكوا الحنكة والمعرفة لحل مختلف أنواع المشكلات، فحياة الفرد لا تستقيم بدون التفكير، فالتفكير حاجة من حاجات الإنسان الرئيسية، لذلك شبه ميكلر (Meclure) التفكير بعملية التنفس التي لا حياة للكائن الحي بدونها، لذلك اجعلوا شعاركم وشغلكم الشاغل في مدارسكم وغرفكم الصفية هو: كيف نفكر؟

[read more]

المراجع

  • جروان، فتحي (2016). تعليم التفكير: مفاهيم وتطبيقات (ط9). عمان. دار الفكر.
  • درار، إنصاف (2010). التعليم وتنمية التفكير: تربية من أجل المستقبل. مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله لرعاية الموهوبين. المؤتمر العلمي الإقليمي للموهبة.
  • الحارثي، إبراهيم (2009). تعليم التفكير (ط4). القاهرة. دار المقاصد للنشر والتوزيع.
  • علوي وآخرون (2008). التفكير وتعليم مهارات التفكير-نموذج مصفوفة لدمج تعليم وتعلم مهارات التفكير الأساسية من خلال تدريس مادة العلوم للصفوف (7-9) المرحلة الأساسية. مركز البحوث والتطوير التربوي فرع عدن 3.
  • زيتون، حسن (2003). تعليم التفكير رؤية تطبيقية في تنمية العقول المفكرة (ط1). القاهرة عالم الكتب.
[/read]

الكلمات الدلالية

أحدث المواضيع